زخم نيويورك- مبادرة المملكة وفرنسا لإحياء حل الدولتين
المؤلف: حمود أبو طالب08.23.2025

إن الزخم الملحوظ الذي شهده مقر الأمم المتحدة بنيويورك مؤخرًا، والداعم للقضية الفلسطينية وحل الدولتين بمبادرة من المملكة العربية السعودية وفرنسا، يُعد بحق تطورًا بالغ الأهمية في مسيرة هذا الملف الشائكة والمعقدة، وذلك منذ أمد طويل. لقد وضع هذا الحدث المجتمع الدولي أمام محك أخلاقي واختبار حقيقي لإنسانيته، في ظل الحقوق والقوانين والشرعية التي طالما تغنى بها في خطاباته ومنصاته، إلا أنه سرعان ما ينكص ويتراجع، ويتملص من تحمل المسؤولية عندما يتعلق الأمر بالحق الفلسطيني الأصيل.
المؤتمر الذي قادته المملكة العربية السعودية وفرنسا على مدار يومين كاملين، جرى الإعداد له بعناية فائقة، وباحترافية سياسية رفيعة المستوى. لم تكن الطروحات التي قُدمت خلاله مجرد كلمات جوفاء تستدر العواطف، بل كانت مواجهة صريحة وواضحة بحقائق التناقضات الصارخة التي يمارسها المجتمع الدولي تجاه فلسطين وشعبها المكلوم، والتواطؤ السافر مع دولة الاحتلال الإسرائيلي الغاشم. الكلمات المؤثرة التي ألقاها ممثلو دول العالم المشاركة، شكلت تحولًا نوعيًا في الخطاب، وأحرَجت المترددين الذين يخشون مغبة الاصطدام بالموقف الأمريكي الداعم لإسرائيل بلا حدود أو قيود. لقد لمسنا خلال فعاليات المؤتمر توجهًا مغايرًا، من شأنه أن يمنح زخمًا كبيرًا لاجتماع الجمعية العمومية في سبتمبر القادم، حيث سيكون حل الدولتين هو القضية المحورية والأساسية.
من بين النتائج الهامة التي أسفر عنها المؤتمر، أننا كسبنا موقفًا جديدًا بالغ الأهمية من قبل بريطانيا العظمى، لصالح حل الدولتين، وذلك عندما صرح وزير خارجيتها بأن بلاده ستعترف بالدولة الفلسطينية المستقلة، إذا لم تتوقف المجازر المروعة في قطاع غزة. صحيح أنه موقف مشروط، إلا أنه يمثل تحولًا كبيرًا في سياسة دولة عريقة لطالما ارتبطت تاريخيًا بإنشاء دولة الاحتلال ودعم استمرارها.
لقد أثبتت التجارب المريرة على مدى ثمانية عقود مضت، أن الشعارات الرنانة والخطابات الحماسية لن تجلب للفلسطينيين حقوقهم المسلوبة. وحده العمل الدبلوماسي الاحترافي المكثف، والضغط المستمر والمتواصل على المجتمع الدولي، باستخدام أوراق الحقائق الدامغة، هو الكفيل بتغيير قواعد اللعبة الظالمة، وهذا تحديدًا ما فعلته المملكة العربية السعودية، بمشاركة فاعلة من الجمهورية الفرنسية.